من وحى أكتوبر

كل يوم الصبح أتناول فنجان قهوة برازيلى لعلى أصبح «بيليه» الذى رأيته فى استاد القاهرة وتعلمت منه أن كل لاعب يتحول بعد الاعتزال إلى التدريب، وكل راقصة تتحول بعد الاعتزال إلى التمثيل، وكل سياسى يتحول بعد الاعتزال إلى المعارضة، لذلك أنا من جيل، نصفه مصاب بالحول ونصفه مصاب بالفصام، فقد شهدنا البيان رقم (١) لسنة ٧٣ بشأن العبور، ثم شهدنا القانون رقم (٤٣) لسنة ٧٤ بشأن الاستثمار، ورأينا استعادة الأرض ثم بيع الأهرامات.. جيل سمع زوجة وزير داخلية تغنى للحرية بينما زوجها يعتقل الناس، ثم سمع رئيس اتحاد عمال مصر يطالب ببيع الشركات وتشريد العمال، وكاتب كبير فى اتحاد كتاب مصر يشجع الأدباء الشبان على أن يكتبوا القصص ثم ينشرها باسمه، فقد بدأ الفساد بحرامى غسيل نزل من السطوح ليستولى على أرض الوطن..

شهدنا الوطن يبدأ مع «نهرو» وينتهى مع «اللمبى» كدولة مُؤسسة لعدم الانحياز، لذلك عندنا لجنة محايدة مثل سويسرا.. فى أكتوبر أتذكر فؤاد عزيز غالى الصعيدى القبطى الذى قادنا لتحرير مدينة القنطرة ثم كلفنى بتسليم إسرائيل (٣٩) جثة من قتلاها ولم يطالبنى بتسليم كاميليا، ونبه علىّ ألا أسلم عليهم، وبعدها رأينا رئيس الدولة يأخذهم بالأحضان، فأصابنى الحول خاصة عندما رأيت سينما «شطا» فى القنطرة تتحول من مركز قيادة إلى «بوتيك».. فاختلطت نيران الحرب بنيران الفتنة وثمار النصر بثمار التنمية، وأصبح علىّ كقائد «سرية» فى حرب أكتوبر أن أنتظر ثلاثة آلاف عام حتى أصبح رئيساًَ لمصر.. وقتها سوف تنتقل تبعيتى من الأسرة والسكان إلى الدكتور زاهى حواس ويسرقنى اللصوص وأباع كـ«مومياء قائد سرية من عصر النهضة»..

وقلت إنى رأيت الإسرائيليين يفرون من أمام المصريين فى ميدان الحرب ثم رأيت المصريين يفرون أمام الأمن المركزى فى ميدان التحرير.. لذلك يُقال إن ضابطاً ضرب أحد المواطنين على قفاه حتى أصابه، وأراد الضابط أن ينبه عليه ألا يحكى أبداً ما حدث له فى القسم فقال للمواطن: (ما تقولش إيه إديتنا مصر).. ومع ذلك مازالت الدنيا بخير وهناك من يقدر ويحترم، ففى الترام عندما لاحظ أحد الشبان أننى من جيل أكتوبر، وقف لى احتراماً وأجلسنى مكانه ثم همس لى: (هات حق الكرسى).

من وحى أكتوبر (٢)

أنا باعشق البحر زيك يا حبيبى حنون وساعات زيك مجنون.. ورغم أننى سكندرى أصيل مولود على بحر «الأنفوشى» فإننى لم أعبر القنال سباحة أو فى قارب، لكن فى معدية على المعبر لأجد «محمود مختار» شقيق «حسن مختار»، حارس مرمى «الإسماعيلى»، وقتها وزوج السيدة «رجاء الجداوى» يقبل الأرض ويغنى (أدينا عدينا) واحتضننى، بينما تقذف «الفانتوم» علينا قنابل «البلى» ليصاب وأنجو، فالبلى صديقى منذ أيام الطفولة، ثم تأتى قنبلة باحثة عن الأفراد (مثل مخبرى المباحث) ليصاب «عبدالمسيح» و«رفعت» وتختلط دماؤهما ونطلب لأحدهما جماعة دفن الموتى وللآخر جماعة الإسعاف دون أن يقول أحد (إشمعنى!)..

فقد كان الهلال مع الصليب ضد النجمة.. قبل أن يأتى المفكر «المعتدل»، الذى قد يكون «معتدل» فى مشيته أو «معتدل» المزاج أو يظهر الكاهن «السليط».. ثم أرادوا أن يعرف العالم أن الإدارة المدنية قد عادت إلى مدينة «القنطرة»، فتوجهت إلى أقرب محافظة وهى «الشرقية»، وأحضرت من هناك فى سيارتى مقدم شرطة وبضعة جنود ونصبت لهم خيمة أمام المعبر رقم (٤٨) كتبت عليها (نقطة شرطة مدينة القنطرة) وأفهمتهم أننى سأتابع بنفسى وصول الوجبات الثلاث والمياه إليهم بعدها كنت أسير فى اتجاه المعبر عندما استوقفنى سيادة المقدم والجنود وسألونى: (معاك بطاقة؟!) لكنهم للأمانة لم يسألونى عن موقفى من التجنيد..

كانت الدنيا قد تغيرت بسرعة ولم يعد زمان المقاتلين، فقد ابتعد «السادات» عن فقراء المصريين واقترب من أثرياء اليهود وأنشأ الحزب الوطنى على أنقاض حزب مصر، ثم على أنقاض مصر ذات نفسها.. وبعد أن كانت يد تبنى ويد تحمل السلاح أصبحنا نسرق باليدين وارتفعت أسعار «الأكل» وانخفضت أسعار «القتل» وانتقلنا من (ابنك يقول لك يا بطل هات انتصار) إلى (أمك تقول لك لو بطل هات الخضار).

شكرا يا أحمد تقبل مرورى

أنا مش كسول بس كان عندى شغل فى الشقه بتعتى و دا كان سر غيابى بس و الحمد لله


و اما نشوف بقى الكسل جاى منين البنات ولا الولاد